Sunday, February 5, 2012

التفكير الجماعي" و فخ التقليد"


التفكير الجماعي فخ تقع فيه الأفراد والجماعات وحتى الأمم عندما تجد نفسها توافق على ما يطرح عليها من أفكار وقبول هذه الأفكار وربما المساهمة في نشرها والعمل بمضمونها دون اخضاع هذه الأفكار للمراجعة والتفكير والتأمل إن كانت صحيحة ذات قيمة أم لا. ويكون ذلك لأن المتلقي ليس لديه فهم شامل لما يتعرض له أو قدرة على نقده أو، وهو الأمر الأخطر، لضعف هذا المتلقي، فالفكرة المطروحة فكرة القوي، لا تُنقد ولا تُعارض، والضعيف تعوّد على التلقي والطواعية، ولأنه لا حول له ولا قوة، فهو أدنى من أن يعارض أو يرفض.
وفي كل الأحوال، التفكير الجماعي خطير على المستوى الشخصي للفرد وعلى المجتمع، لأن الشخص قد يخضع لما لا يؤمن به مما يرتب عليه القيام بأعمال لا يؤمن بها حتى اذا كانت مؤدية إلى ما هو خطير، وذلك إما لأنه متلقيا سلبيا اعتاد استهلاك ما أنتجه الآخرون من أفكار وسلوكيات أم أنه "متماشيا مع التيار" لا يريد عناء التفكير والانتقاد والانتهاج والتجديد، وبذلك يصبح الفرد جزءا من كتلة متلاحمة صلبة تفكّر سويا ويوافق إحداها الآخرين على كل ما هو خير أو شرّ، على ما هو صحيح أو خطأ.
وهذه الحال نراها كثيرا بين الأصدقاء وفي العائلات والجمعيات والمؤسسات فتسمع حكما من أحد أفراد دائرة معينة ثم تسمعه من أفراد آخرين فيصبح للكتلة الواحدة رأيا وموقفا موحدا، وهذا أمر محمود إذا كان ذلك الحكم صائبا ناضجا حكيما ومرنا ، أما إن لم يكن قابلا للتعديل أو التصحيح مع تغير الظروف أو تجدد المعلومات، تصبح هذه الدائرة كتلة صلبة لا يخرقها الخير وإن خرقها فلا تأثير له، وهكذا تصبح دائرة محكمة الاغلاق يصعب ادخال ما هو جديد إليها أو مناف لمعتقداتها ومفاهيمها.
ومن الأمثلة الحياتية للتفكير الجماعي التي عاينتها حين كنت بين مجموعة تتألف من عدة أفراد وقد جاءنا خبر وفاة طفلة دهستها سيارة. أسف الجميع لموت الطفلة وعبّروا عن حزنهم وألمهم ودعوا أن يمنّ الله على أهلها بالصبر، لكن واحدة من بيننا ألقت باللائمة على أم الطفلة قائلة: "... وأين كانت أم البنت؟ وكيف ترسلها الى الطريق لوحدها؟" وافق الجميع على أن السبب في موت الطفلة هو اهمال أمها لها ليتبين لنا لاحقا أن الأب هو من أرسل الصغيرة لتشتري له علبة سجائر من الدكان.
والتفكير الجماعي قد يكون سببا لا في مجرد حكم خاطىء على فرد ما، بل يتجاوز ذلك ليدمر مؤسسة عامرة، بل وأمة بأكملها ذات حضارة تمتد في عمق التاريخ. ومثال على ذلك هلاك العراق ودماره، ففي تموز 2004 نشرت فوكس نيوز Fox News  تقريرا خلصت فيه الى أن الاستخبارات العالمية عانت من التفكير الجماعي الذي أدّى الى فرضية امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، هذه الفرضية حسب تصريح السناتور الأمريكي بات روبرتز امتدت الى حلفاء الأمريكان ودول أخرى وسببت ما كان في العراق.
ومن المهم الاشارة هنا الى أن الفرد الذي يبني خياراته على منطلقات منطقية وعقلانية بدلا من الانصياع وراء الأفكار المُنتجة الجاهزة، كثيرا ما يجد نفسه في عزلة عن الآخرين حتى يصبح هذا الفرد ضمن أقلية مستبعدة اجتماعيا، ويعود ذلك، من منظار كرونباك Cronbach  عالم النفس الأمريكي، إلى أن العاطفة، لا المنطق، غالبا هي الدافع للخيارات التي يأخذها الأفراد حتى وان كانت مبنية على مبادىء وقيم دينية أو اجتماعية أو أخلاقية. إضافة إلى ذلك أن السواد الأعظم من الناس هم أشخاص مطواعين لما يمُلى عليهم من قيم ومواقف وشعارات دون تردّد أو تساؤل. ولذلك فالشخص العقلاني لا يجد لنفسه مكانا في محيط العاطفة والطواعية هي الأساس لاتخاذ القرارات.

ومع ذلك على الفرد أن يتصرف بمسؤولية واحترام لذاته والآخرين فلا يكون متقبلا ساذجا ومتلقيا سلبيا لا تأثير له على ما يُطرح عليه ولا قدرة له لأن يغير بل أن يكون منفتحا ليقبل الطروحات فقد يكون فيها الخير والصواب لكنه بنفس الوقت يتوقع الخطأ ولذلك يزنها بناء لمعايير واضحة سواء كانت علمية أو أخلاقية أو دينية. وفي حال الخطأ، من واجبه الأخلاقي والقيمي أن يرفضها وأن يسعى للتغيير والتصويب والتعديل والاّ كان مساهما في إعادة انتاج الشر ونشره وتفشيه، بل ونموه في هذه الدنيا ليطال الآخرين كم لا بد من أنه سيطاله إما مباشرة أو من خلال أحبابه وأولاده وأحفاده.

6 comments:

بالهمة نصل إلى القمة said...

وينطبق هذا على الجمعيات والمؤسسات والجماعات الإسلامية التي أصبحت لديها مسلمات إن أعيد النظر فيها قد تكون سبب الكثير من المشاكل في طريق العمل الدعوي، وتطور العمل الإسلامي

Anonymous said...

Dear Amal,
   You have raised one of the most sensitive and crucial topics. I believe that collective mentality is a dangerous weapon as you say, and as an educator, I do my best to change or even try to remove some of the collective memeory thoughts in our children's young minds.
                                                                                           God bless, 
                                                                                           Salha Nasser

Sami El Khateeb said...

قرأت المقال في مجلة "القبس" ولكني لم أستطع منع نفسي من قراءته مرة أخرى هنا من جديد..
المقال أكثر من رائع، وهو يجسد مشكلة كبيرة يعيش شبابنا وشيوخنا، كبارنا والصغار. بل تعيشها حكوماتنا وأحزابنا وكثير كثير من المثقفين فينا وبيننا..
نحتاج إلى تنمية التفكير الحر والنقد الإيجابي البناء في مناهجنا وحوارتنا وثقافة مجتمعاتنا..

Nawal Farhat said...

You always bring up important topics, Amal! It's true we see this "group think" happen everyday in different settings.. maybe when we understand why it happens, it may become easier to try and avoid falling into these situations!
Thanks for sharing :)

training zahle said...

السيدة أمال:الله يمنحك الصحة والعافية.
المقال رائع بموضوعه وطريقة طرحه.
لو ورد أمثلة أكثر لظهر مدى التأثَر بالتفكير الجماعي.
أعتقد أن كل شخص يدَعي الثورة على التقاليد البالية والمحافظة على الاصيلة ويبقى الخلالف على ما هو أصيل وما هو تقليدي.
شكرا لك
Samer siefeldeen

Unknown said...

This is seriously a real life problem. ..I couldn't but read and relate it to things happening around...Trying to maintain a healthy social interactive group is something according to my experience in team work and volunteering close to impossible. .There must always be hope that someday the mentality will change..
I really appreciate what you post
Hope you keep things up..so at least we ss educators can make at least one step forward among learners who one day are decision makers in life
Samireh Jomaa