Wednesday, June 27, 2012

النشاطات المدرسية: تهيئة للحياة



يقضي المتعلِّم في أيَّامنا هذه ما يتراوح  بين الأربعة عشر عاماً والثلاثين عاماً على مقاعد الدراسة.  هذه السنوات الطويلة تتطلّب جهوداً ووقتاً وصبراً وميزانية مادّية عالية. فما الهدف من هذه الجهود المضنية والأموال الطائلة التي تبذل في سبيل التعلّم؟
«لا بدَّ للتربية من أن تهيئ المتعلّمين للحياة»، هذا مفهوم التربية من منظار علم الاجتماع الذي يرى أنَّ المدرسة هي دائرة مصغّرة تعكس المجتمع، فالسنوات التي يقضيها المتعلّم في الدراسة يجب أن تساهم في جعله أكثر فهماً للحياة، وأكثر قدرة على إيجاد المكان الملائم الذي يشعره بالاكتفاء الذاتي فيها، وبذلك يصبح عنصراً مساهماً في إعمار هذه الحياة والمضي في تقدُّمها. واليوم أصبح من المسلَّمات أنّ التربية المدرسية هي العنصر الأساس الذي يؤمِّن للفرد الحركية الاجتماعية، أي إن التربية هي الأداة التي بواسطتها يستطيع الفرد تجاوز المنبت الاجتماعي– الاقتصادي– الثقافي الذي أتى منه.
إذا انطلقنا من هذا المفهوم للتربية، ومن هذا الإيمان بقدرتها على تغيير مسار حياة الإنسان، فمن المنطقي أن نتساءل:  «هل كلُّ ما يتعلمه التلميذ في مدرسته يساهم في تهيئته للحياة؟». يرى المتأمل للمناهج اللبنانية في الدراسة ما قبل الجامعية أنها تعتمد على عرض المعلومات للمتعلم دون إتاحة الفرصة له ليكون شريكاً في صناعة تعلُّمه، وقد تغيرت المناهج وتغيرت مضامين الكتب، لكنَّ التلقين بقي الأسلوب الأكثر اعتماداً في التعليم، وبقيت المضامين التعليمية بعيدة عن واقع التلميذ واهتماماته، واليوم، باتت المناهج التعليمية قديمة غير مواكبة، إذ إنَّه لم يحصل عليها أيّ تعديل منذ أن أصدرت مع أنَّ كثيراً من المعلمين والأساتذة المعنيين بها قدّموا تقارير مفصّلة ودقيقة باقتراحاتهم للتغيير والتعديل حيث من المعروف تربوياً أنّ المناهج الدراسية يجب أن تخضع للتدقيق والتعديل بناء لاقتراحات التربويين بشكل دائم، الأمر الذي يؤدي في كثير من البلدان إلى تغيير المناهج كلَّ خمس إلى ثماني سنوات.
إنّ تأخر المعنيين برسم سياسات التربية وتغيير المناهج عن مواكبة العصر، لا يعفي المعلم من واجبه في إغناء المنهج بالنشاطات التي تلبي حاجة الطالب ليواكب التعليم الحياة ويصبح أكثر متعة وفائدة، الأمر الذي يستلزم من المدراء والمنسقين تشجيع هذا التعديل في إدارة عملية التعليم، وتوفير الإمكانات اللازمة والبيئة الملائمة، وفيما يلي عرض لبعض المشاريع والنشاطات التي يمكن لمعلمي اللغات والاجتماعيات وربما موادَّ أخرى إدراجها في المنهج لخدمة المتعلم في تهيئته للحياة:
1-     إجراء دراسات ميدانية:
يجري الطلاب دراسات لفهم واقع معين من خلال تجميع معلومات عن عيِّنة بحث مختارة ويكون تجميع المعلومات من خلال مشاهدات أو مقابلات أو استفتاءات وملء استمارات. ومن المواضيع التي يمكن دراستها:
أ. مشاكل الطلاب في مدارسهم ومع أهلهم ومجتمعهم، ودراسة همومهم وتطلعاتهم.
ب‌.    أسباب التلوث في بيئة المتعلمين، وما يمكن فعله للحدِّ منها.
ج‌.     عمالة الأطفال في المحيط وأسبابه ونسبته، أو التدخين بين المراهقين.
د‌.      دراسة الآثار في القرى التي يأتي منها الطلاب وتاريخها ونظرة المعمِّرين في البلدات لهذه الآثار وكيفية استثمارها سياحياً، موضوع يجعل المتعلم أكثر وعياً وفهماً لمحيطه.
ينبغي أن يتبع دراسات ميدانية كهذه كتابة تقرير مع تأصيل نظري أو خلاصة لبعض الأبحاث المشابهة، ثم عرض النتائج التي قد تتضمن جداول إحصائية ثم تحليل النتائج والوصول إلى خلاصات، وفي النهاية يعرض التلاميذ  تقاريرهم أمام زملائهم في الصف، فذلك يجعل التعليم أكثر متعة والتصاقاً بالحياة، ويعزِّز كفايات البحث العلمي، ويساهم في تنمية مهارات التواصل والإلقاء والحوار.
2.      الإقناع بالحوار والأدلة:
يتعلم التلميذ أولاً ما هو فن الإقناع ومبادئه وطرقه، ثم يطبِّقه بمحاولة أن يقنع الآخر بوجهة نظره من خلال إجراء مناظرات صفية ومدرسية، وذلك بعد أن يتعلَّم الجدل وأساليبه. ولعل من أهمِّ النشاطات التي تتيح للتلميذ ممارسة مهاراته الإقناعية وتنميتها هي انتخابات مجلس الطلاب.

3.      التمثيل وكتابة السيناريوهات:
نشاط رائع يحرِّر فيه التلميذ طاقاته وإبداعاته، حيث يضع فهمه للحياة ويستعين بأحداث من عالمه الحقيقي وقراءاته وما شاهده عبر التلفاز، لينشئ قصَّته الفريدة، ثم يحولِّها إلى سيناريو للتمثيل مع إرشادات مسرحية، ثم يمثِّلها ضمن مجموعة مستعيناً بالكاميرات والمؤثرات الصوتية ومهاراته التقنية ليجعلها فيلماً يعرضه على زملائه.

4.      نشاطات المحادثة وخطاب الجمهور:
من خلال هذه النشاطات يتدرَّب التلميذ أمام الجمهور، سواء أكان ذلك بشكل حوار أو خطاب مهيَّأ مسبقاً أو خطاب ارتجالي أو مقابلة. أهمية هذه النشاطات أنها تنمِّي ثقة التلميذ بنفسه وقدرته على أن يضع أفكاره في كلمات بشكل منطقي حتى يعرضها على الآخر، وغالباً ما تتطلَّب هذه النشاطات مهارات تفكير عالية، فليس المطلوب هو الوقوف أمام الجمهور والتحدُّث إليه، بل المطلوب أن يعرف المتكلم أنَّ لكل مقام طريقة مخاطبة، فمثلاً إذا استلم جائزة لإنجازاته في احتفال، تكون الكلمة التي يلقيها مختلفة عن الكلمة التي يلقيها حين يتحدث في حفل زفاف صديقه، أو تلك التي يحاول من خلالها إقناع زملائه في المدرسة بانتخابه لمجلس صفِّه.

5.                تهيئة الطلاب لسوق العمل:
كلُّ طالب سيتخرَّج، وكل خرِّيج سيبحث عن عمل، فلماذا لا نكسب طلابنا هذه المهارة، التي يمكن أن تبدأ من خلال بحث التلميذ في الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية والمعارف الشخصية ومعارف الأهل والأصحاب وأرباب العمل عن الوظيفة المرجوِّ الحصول عليها. بعدها يكتب التلميذ سيرته الذاتية (Resume) ثم يملأ طلب توظيف (يوفره الأستاذ)، ويكتب رسالة طلب الوظيفة موجهة إلى المسؤول عن التوظيف (Cover letter). بعد إعداد هذه المستندات الضرورية للتقدُّم للوظيفة، يعدُّ الأستاذ تلاميذه للخضوع لمقابلة التوظيف: (نوعية الأسئلة التي قد تطرح، المظهر الخارجي، السلوك المطلوب خلال المقابلة، المستندات الواجب اصطحابها..) وأخيراً يجري الأستاذ المقابلة مع التلاميذ داخل الصف على أساس أنَّ الأستاذ هو ربُّ العمل أو المدير المسؤول عن التوظيف، فيما يكون التلميذ هو طالب الوظيفة. يشاهد بقية طلاب الصف المقابلة ويكتبون ملاحظاتهم، التي تكون محل نقاش بعد انتهاء المقابلة.
·     قد يشترك الأستاذ مع تلميذين لإجراء المقابلة.
·     قد يطلب الأستاذ من إدارة المدرسة أو بعض زملائه مشاركته إجراء المقابلات مع التلاميذ.

هذه بعض النشاطات التي يمكن إدراجها في المنهج أو الاعتماد عليها لاستيحاء نشاطات ومشاريع أخرى تخدم المنهج وتساهم في بناء الطالب، مع نصحنا بأن يراعي الأستاذ وهو يختار نشاطاته الضوابط التالية:
o      أن يخدم النشاط المنهج والمحور التعليمي إذا كان المنهج مقسَّماً إلى محاور، بحيث يبقى النشاط مستمرَّاً خلال المحور، ليصل التلميذ في النهاية إلى النتاج الكلي المطلوب.
o      أن يخدم النشاط مهارات التفكير العليا، ليتجاوز الطالب التحليل والتركيب إلى التقييم والإبداع.
o      أن تكون الأهداف وخطوات التنفيذ واضحة للطالب.
o      أن تحدَّد لكلِّ فرد من أعضاء المجموعة (في حال العمل الجماعي) مهامَّه، حتى لا يقوم طالب بعمل أكثر من غيره.
o      أن لا تعرض المشاريع الطويلة والمتطلِّبة مرَّة واحدة على الطلاب فيصابوا بالإحباط، بل يجزِّئ الأستاذ النشاط إلى عدة مراحل، وفي نهاية كل مرحلة يقدِّم التلميذ جزءاً من النشاط الكليّ.
هذه مقترحات تجبر نقص المناهج، وتساهم في تعزيز عملية التعلُّم الناشط، وتحاكي الحياة من غرفة الصف، وتساعد الطالب على الدخول في معترك الحياة بكفاءة.