Saturday, June 29, 2013

كيف اختار مدرسة ولدي


قد تدخل مدرسة عريقة وتجد في إحدى ممراتها جدارية عليها أسماء طلابها المتفوقين سنوياً من عام 1980 حتى عام 2005. وفجأة لم يعد يلحظ وجود أسماء طلاب على تلك اللوحة. هل يعني ذلك أن المدرسة لم يعد فيها طلابٌ متفوقون؟ أم أن المسألة أمر عابر لأن من كان يهتم بتلك اللوحة لم يعد في المدرسة وليس هناك من يتابعها؟ هل المسألة ببساطة صدفة؟
قد تكون هذه الظاهرة التي تبدو بسيطة وشكلية مؤشراً كبيراً لما يحصل في المدرسة وللمواقف والاهتمامات التربوية، ولنظرة العاملين في المدرسة إلى طلابهم وحتى  لنظرة الطلاب إلى أنفسهم ولاهتماماتهم بالعلم والنجاح.
يمكن لمعظم المدارس أن تعلن لأولياء أمور طلابها بشكل خاص وللمجتمع عامةً عن أهدافها التعليمية وع مناهجها الدراسية ورسالتها التربوية. لكن هناك الكثير الذي لا تعلن عنه المدرسة ولا يمكن للمراقب عن بعد معرفته وحتى القائمين على المدرسة بذواتهم. وهناك أمور لا يعلمها إلا من يتواجد باستمرار ويراقب طويلاً ما يحصل داخل جدران المدرسة.
إن مجموع الأمور التي تحصل في المدرسة – الأمور غير المعلن عنها – هي ما يصفها علماء الاجتماع بـــــ «المدرسة الحقيقية» أو ما يسمونها بــــــ «النظام الضمني» أو «المنهاج المخبّأ».
من الصعب الإحاطة الكاملة بعناصر المنهاج الضمني لتعداد مكوناته، لكن يمكن فهمه في مؤسسة تربوية ما، من خلال دراسة مؤشرات عدّة أبرزها: نوعية المهام المطلوبة من الطلاب، الجو الثقافي للمؤسسة والتفاعل الاجتماعي السائد إضافة إلى البناء الهندسي والشكل الظاهري.
أولا: يمكن فهم المدرسة من خلال المهام والنشاطات الصفية والبيتية؛ فإذا كان الطابع العام لها يتطلب الحفظ وإعادة التسميع، فهذا يعني أن المدرسة لا تعمل على تطوير قدرة المتعلّم على الفهم والابتكار وحلّ المشكلات والتفكير المستقل. أما إذا كانت تعطيه فرصة ليفكّر ويحلّل وينتقد ويختار، فهي مدرسة تعمل على بناء فرد قادر على التعاطي مع المشكلات، وعلى التفكير النقدي والاتيان بما هو جديد، تهيئةً لإكسابه قدرات تؤمّن له الرضى عن نفسه والاستقلالية وأخذ الخيارات السليمة في حياته.
ثانياً: يمكن فهم البيئة الثقافية للمدرسة من خلال مراقبة التفاعل بين أفرادها ومراقبة القيم السائدة واهتمامات القائمين عليها والنشاطات التي تحصل فيها. فالتلميذ يقضي ألف ساعة سنوياً في المدرسة تحت تأثير هذه التفاعلات. ما يؤثر في تكوين شخصية الطفل وتشكيل قدرته على التفكير وحالته النفسية. ومن المهم للأهل أن يتعرفوا إلى الجو المدرسي ليحكموا بسلبية أو إيجابية تأثيراته على أبنائهم.
                التفاعل الاجتماعي داخل المدرسة يتضمن علاقة الأساتذة ببعضهم وعلاقاتهم بالمسؤولين عنهم وعلاقاتهم بطلابهم وعلاقة الطلاب ببعضهم البعض. وكلما سادت هذه العلاقات الثقة والمحبة والشعور بالمسؤولية تجاه الهدف الأكبر، كان الارتقاء بالطالب وبمستواه.
والجو المدرسي يشمل أيضا القيم السائدة في البيئة المدرسية التي تظهر من خلال توجيهات المعلم الأخلاقية للتلميذ، والمحاضرات والندوات والملصقات والجداريات وما تتضمنها من قيم، فإذا انعدم هذا في مدرسة ما، على الأهل أن يتساءلوا عنه.
أمّا التفاعل داخل الصف فيمكن فهمه من خلال دور المعلم: هل هو محور العملية التعليمية والطالب يتلقى بشكل سلبي دون أن يكون رأيه محل اهتمام المعلم. أم هو الموجه يعطي الدور الأكبر للتلميذ في التفكير ومشاركة أفكاره، هو يرسم المسار والتلميذ يسير عليه ويلجأ إلى معلمه في حال تعثره. حيث تأمن أن ولدك يحيا في بيئة صفية تطورمن قدراته ليصبح أكثر نضجاً وأقدر على مواجهة الحياة خارج الصف.
أمّا الثقافة المدرسية فيمكن فهمها من خلال معرفة اهتمامات القائمين على المدرسة: هل هي مهتمة بالجانب الأكاديمي بشكل عال؟ هل تحفز التحصيل نحو نمو مهني مبدع؟ هل تضع ميزانية للافتات الدعاية في الشوارع أكبر من ميزانية مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة والمشاركة في النشاطات اللاصفية؟ هل تدرب معلميها؟ هل تشعرهم بالطمأنينة من خلال تلبية حاجاتهم؟ قد تجد في محيطنا مدرسة تعطي معلميها أدنى الرواتب لكنها مستعدّة لدفع أضعاف ما يتقاضاه أحد معلميها شهرياً لشخص معروف تربوياً مقابل دورة تربوية واحدة يعطيها، ظناً منها أن هذا يساهم في الدعاية للمدرسة، متجاهلة سلبية الشعور بالغبن والظلم وما ينتجه من معلمين ليسواعلى المستوى المطلوب من المسؤولية التربوية.
ومثل ذلك ما نراه من اهتمام بعض المدارس العالي بمظهر صفوف الروضة، فهي ما يراه أولياء الأمور أولاً بينما هذه المدارس ليست مستعدة لتحسين راتب معلمة الروضة أو إنشاء مكتبة أو مختبر لن يعرف بأمرهما هؤلاء.
والبيئة المدرسية تتجلى أيضاً في النشاطات المدرسية: هل هناك محاضرت توعية للطلاب والأهالي؟ ما مضمونها؟ ما هي النشاطات اللاصفية؟ ما نظرة الإدارة إلى التعاون مع المؤسسات الأخرى؟ ما قدرة المدير على الخروج بالمؤسسة من دائرتها الصغيرة والتفاعل مع العالم الخارجي؟ ما نظرة المدرسة إلى التطور المهني ونظرتها إلى محيطها؟ ما طبيعة القرارات التي تؤخذ؟ هل هي ارتجالية أم مبنية على أسس ومعايير عقلية ومنهجية؟ قد لا تكون الاجابة على الأسئلة هذه مثالية لكن في حال تقييمك لمدرسة ما ينبغي أن تكون معظمها مرضية لك وتلبي تطلعاتك وقيمك.
ثالثا: ومن المهم أيضا النظر في القضايا الشكلية في المدرسة التي نريد؛ النظافة والصيانة والترتيب العام في المدرسة؟ هل هناك صيانة مسنمرة للطاولات والكراسي المكسورة واهتمام بدهان الجدران والألواح والبرادي والأجهزة؟ قد يكون بناء المدرسة قديماً لكن مظاهر النظافة والاهتمام والترتيب واضحة ما يدل على الاهتمام بالمتعلمين واحترامهم. على عكس مدرسة بناؤها حديث تسوده مظاهر الإهمال واللامبالاة، فالاهتمام بالشكل الخارجي والمحسوس بالمدرسة يعكس روح عاملين فيها يشعرون بانتمائهم إلى المدرسة، يهتمون بها اهتمامهم بأماكن سكنهم.
                ومن الأمور الشكلية التي تعكس النظرة إلى المدرسة، الطالب ونتاجه الذي يظهر على الجداريات داخل الصفوف وفي والممرات. بحيث لا تكون للزينة فقط، بل تحوي نتاجات الطلاب؟ ما يؤشر إلى أن المدرسة والمعلم يرون أعمال طلابهم ذات قيمة تستحق النشر ما يؤدي إلى تحفيزهم للمزيد من الإنتاج والمشاركة. ولا بأس أن تحتوي هذه الجداريات أعمالاً من صنع المعلم لأهداف تعليمية، لكن ننظر عندئذ إذا كانت موضوعة في أماكن تمكن الطلاب من قراءتها، وإن كانت واضحة أم أنها وضعت للزينة ليراها الأهالي عند زياراتهم إلى المدرسة ولقاءاتهم بالمعلمين؟
                اختيار المدرسة التي نريد أمر يتطلب النظر في الكثير من التفاصيل، فكل المدارس تلتزم كتباً ومناهج متشابهة، لكن الأمر يتعدى الكتاب والمنهج إلى النظر في الأمور غير المعلن عنها والأمور الضمنية في المدرسة من ثقافة عامة وثقافة تربوية وتفاعل اجتماعي بين أفراد المؤسسة، داخل الصف وخارجه من طبيعة النشاطات التي تطلب من المتعلمين، إلى الشكل المادي للمؤسسة له العديد من الؤشرات عن المدرسة والقييمين عليها. كل هذه هي مكونات المنهاج الذي لا تعلن عنه المؤسسات، ألا وهو المنهاج الضمني.