Saturday, February 19, 2011

شكوى التّربويّين

مقالة نشرت في مجلة القبس - شباط 2011

     كثيراً ما نسمع شكوى تربويّين ومربّين عن تحوّل جيل اليوم واختلافه عمّا كانت عليه الأجيال الماضية بالنّسبة إلى سلوكه العامّ، ممّا يؤثّر على انضباطه داخل الصّفّ والبيت والتزامه واهتمامه بدراسته، لذا فإنّ كثيراً من طلاّب اليوم مشتّتو الأذهان يهملون واجباتهم المدرسية، يتعاملون مع العديد من المواد الدّراسيّة بشيء من المزاجيّة واللاّمبالاة، كلّ هذا نتيجته السلوك غير المنضبط والتّحصيل الأكاديمي المتدني।
     تدعونا هذه النّظرة الواقعيّة لحال العديد من الطّلاّب إلى التّدقيق في مسبّباتها بغية الوصول إلى حلول تقلّل من حدَّتها للارتقاء بطلاّبنا على المستويين الأكاديمي والسّلوكي، فليس الأهل هم المسؤولين الوحيدين عن عدم اكتراث أولادهم بالعلم، أو عن الفوضى الّتي يسبّبونها داخل صفوفهم، نتيجة عدم اهتمامهم بموادّهم الدراسية، كما أنّ المعلّم ليس هو المسؤول المطلق عن هذه الحالات لنصوِّب إليه الاتّهام عند كلّ حالة تدنٍّ دراسيّ.
     الجزء الأكبر من المشكلة يكمن في عدم ملاءمة المناهج التّعليمية مع الحياة الآنيّة، و"المناهج" لا تشمل الكتب والمضامين الدراسية والأهداف التربوية فحسب، بل طرق التعليم والتقييم أيضاً। المناهج التي وضعت في أواخر القرن الماضي لم تعد تصلح لطلاّب اليوم مع تغيّر الحياة الهائل الّذي حصل في السنوات العشر الأخيرة، ولنقارن أنفسنا أواخر التسعينات، وقت إصدار المناهج التّربوية اللّبنانية الجديدة آنذاك، وأنفسنا اليوم: كيف كنا نحصل على المعلومات، وكيف كنا نمضي أوقاتنا؟ إضافة إلى طرق التواصل اليوم وتعدادها وسرعتها وكمّية المعلومات التي نحصل عليها اليوم بالمقارنة مع ما كانت عليه؟
     فإذا كان تغيّر نمط الحياة قد لامسنا نحن المربّين بمستوى عالٍ، في فترة زمنية وجيزة، فما بال التّلاميذ الّذين أتوا إلى هذه الحياة في خضمّ التّطور التّقني؟ كيف لنا أن نتوقّع منهم أن ينسجموا مع مناهج وُضعت بأيدي أناسٍ لم يكونوا قد عهدوا هذا التّطور بعد؟ فكانت مناهج مجرّدة من أبرز عناصر اهتمامات الطّلاب؟ وكيف لأساتذة لا يملكون طرائق تدريس وأساليب تنسجم مع روح العصر أن يجعلوا موادّ تعليمهم ممتعة؟
     إنّ المسبّب الأكبر في عدم رغبة كثير من الطّلاب في التّعلم، ولجوئهم إلى الفوضى وتدنّي مستوى تحصيلهم، يكمن في أنّ المناهج والمضامين وطرائق التّدريس قد وضعت لطلاب غير طلاب اليوم، لطلاب أكثر قدرة على التّعلم بالانصات والمحاضرة، وأقل حاجة إلى التّواصل والتّفاعل الاجتماعي، وأكثر صبراً على فهم أفكار مجرّدة غير مُدَعّمة بالصّوت والصّورة وتأثيرات أخرى، ممّا جعا هذه المناهج وتلك الأساليب والطّرائق بعيدة عن واقع طلاب اليوم واهتماماتهم.
     وما لم تتغيّر المناهج لتشرك التّلميذ في عمليّة تعلّمه، بل ليكون التلميذ هو سيّد هذه العمليّة، كما هو سيّد أدواته التّقنية من حاسوب وهاتف جوّال ووسائط أخرى، وما لم تُيَسِّر هذه المناهج للتّلميذ أن يستثمر ما يملك هو من أدوات ومعارف تقنيّة، ستبقى المدرسة جزءاً غير متجانس مع واقع التّلميذ، وسيشعر بأنّ هناك فجوة بين صفّه وواقعه، ممّا يفقده الاهتمام المطلوب بصفّه ووظائفه الأكاديميّة، وستظلّ عندها شكوى الأهل والمربّين من تحوّل هذا الجيل وعدم مبالاته وانضباطه قائمة.