Sunday, February 26, 2012

لياقات تنشر الحب والرضى عن الذات

مقالة نشرت في مجلة "جنى" - شباط 2012    


عديدة هي التصرفات الاجتماعية التي تدلُّ على لياقة صاحبها ورفيع خلقه السامي، وهي سلوكيات سهلة التطبيق ولا تتطلب مجهوداً، لكنها تعكس روحاً إيجابية ورضىً عن الذات، وتشعر الآخرين بالفرح، وتبعث فيهم المشاعر الإيجابية. وإذا لم تكن هذه التصرفات جزءاً متجسِّداً من سلوك الفرد في حياته اليومية، فإن بإمكانه أن يجعلها كذلك بالممارسة الواعية والإرادة المصرَّة على تطوير الذات. وهنا أقترح بعض اللياقات التي تساهم في خلق قيم المحبة والصفاء والاحترام في العلاقات بين الأفراد. ابتسم للأطفال والعجائز، لأهلك وأصحابك، لمن تلقاه في الطريق أو تصادفه في الحافلة.. ابتسم لمن تحب ومن تكره، لولدك وتلميذك، لجارك وزميلك. ابتسم، وإن وجدت أن الابتسامة غير ملائمة، فعلى الأقل تخلَّص من نظرة المكتئب المهموم والمنزعج عند ملاقاة الآخرين، ولا تقطِّب جبينك وتشدَّ عضلات وجهك، واعلم أنَّ عند الآخرين مثلك أحزاناً وهموماً، ولا أحد يحب أن يلتقي من كان عابساً كئيباً. تعاطف وتفهَّم، فإذا رأيت طفلا يبكي أو يصرخ ويعاند، فلا تنظر إلى أمِّه نظرة عتب أو غضب، ولا تشعرها بأنَّ عليها التخلص من سلوك هذا الطفل "الغول" الذي أنجبته إلى هذه الدنيا. قدِّم المساعدة، وإذا لم تتمكن، فلا أقل من نظرة تعاطف وتفهُّم بأن الأولاد يمرون بلحظات كهذه.
قف ليجلس من هو أكبر منك، فإذا كنت جالساً في عزاء أو عرس أو في محطة باص ووجدت عجوزاً متعباً أو امرأة حاملاً أو أمَّاً تحمل طفلاً، فقدم لها مكانك لتجلس فيه. 
لا تقاطع متحدثاً حتى ينهي حديثه،  ولا تحتقر فكرة متحدث أو تقلل من قيمتها، وأصغ إلى متحدثك بدلاً من أن تشغل بالك بما ستقوله فور انتهائه.
أوقف سيارتك إن كان بإمكانك لتسمح للمارة بعبور الطريق.
ثقافة الشكر قيمة يجب أن تحافظ عليها سلوكاً دائماً في حياتك، فابدأ طلبك من الآخر بـ"اعمل معروفاً" وأنهه بـ "شكراً"، سواء أكان ذلك في مكان عملك أو مع  البائع أو عند طلبك من ابنك أو زميلك أن يعطيك كوب الماء، أو من أمِّك أن تحضِّر لك سندويشاً.
اتصل شاكراً، فإن عرفت أن أحدهم أسدى إليك خدمة في غيابك، كأن يوصي بك لوظيفة أو يعطي شهادة إيجابية عنك، فاتصل به واشكره، وادع له في ظهر الغيب، فإنك بذلك تحقق رضى نفسك، وتفي هذا المحسن بعضاً من جميله، وتكون مساهماً في حثِّه على فعل الخير.
اعتذر إن اقترفت خطأ في حقِّ آخر، وليكن اعتذارك فور تنبهك لخطئك، ولا تَظُنّنّ أن الاعتذار دليل ضعف، بل إنه يعكس قدرتك على مواجهة خطئك.
أبق الباب مفتوحاً وساعد من يأتي بعدك حين تدخل إن كان وراءك من يريد الدخول.
أزل الحرج وبادر بالمساعدة حين تشعر أن شخصاً يمتنع عن إخبارك بما يريد نتيجة حرج أو خجل، ساعده على التحدث بما يحرجه بدلاً من أن تتجاهله أو أن تصمت، لأنك بذلك تزيد من حرجه.
ساعد زوجتك فاحمل عنها طفلك بدلاً من أن تحمله وحدها، وافتح لها باب السيارة، إن كانت هي من يحمل الطفل، وساعدها في ترتيب البيت وتحضير الطعام وتحميم الأولاد، إذ مهما صعب عملك خارج البيت، فإن الأعمال المنزلية أصعب.
لا تزاحم الناس في المتجر والمصرف و المطار والدوائر العامة، فمن حقِّ من جاء قبلك أن يحصل على الخدمة قبلك، ووقت الآخرين ضيق وثمين، كما الحال معك.
التمس الأعذار للآخرين بدلاً من انتقادهم، فجارك الذي لم يلق عليك السلام صباحاً، قد يكون شارداً في همِّ تدبير قسط ولده الجامعي الذي يفوق راتبه بخمسة أضعاف! وزميلك في المكتب لم يحضر الأوراق التي طلبتها منه، لا لشيء إلا لأنه نسيها، و النسيان أمر وارد عند كل إنسان.
كن إيجابياً ولا تتأفَّف وتعامل مع مشكلاتك بوعي ومسؤولية. شارك مشكلتك، إن شئت، مع من تثق برأيه وحبِّه، فذلك يخفِّف وطء المشكلة ويساعد على تلمُّس الحلِّ. كن إيجابياً ولا تترك لدى الآخرين انطباعاً سلبياً بكثرة شكواك وتذمُّرك، فإنَّ من شأن ذلك أن يجعلك شخصاً بغيضاً، ينفر منه الآخرون، ولا يبقى له من الأصحاب إلا أولئك الشكاة المتذمرون.
وأخيراً، اعلم أن السلوكيات الطيبة تنتج عن أصحاب القلوب الطيبة، وأن ممارسة السلوك الإيجابي وتعويد الذات عليه يساهم في جعل القلوب أكثر ليونة ومحبة وصفاء، ويساعد في التعايش مع الآخر وتقبّله وحبِّه.

Sunday, February 5, 2012

التفكير الجماعي" و فخ التقليد"


التفكير الجماعي فخ تقع فيه الأفراد والجماعات وحتى الأمم عندما تجد نفسها توافق على ما يطرح عليها من أفكار وقبول هذه الأفكار وربما المساهمة في نشرها والعمل بمضمونها دون اخضاع هذه الأفكار للمراجعة والتفكير والتأمل إن كانت صحيحة ذات قيمة أم لا. ويكون ذلك لأن المتلقي ليس لديه فهم شامل لما يتعرض له أو قدرة على نقده أو، وهو الأمر الأخطر، لضعف هذا المتلقي، فالفكرة المطروحة فكرة القوي، لا تُنقد ولا تُعارض، والضعيف تعوّد على التلقي والطواعية، ولأنه لا حول له ولا قوة، فهو أدنى من أن يعارض أو يرفض.
وفي كل الأحوال، التفكير الجماعي خطير على المستوى الشخصي للفرد وعلى المجتمع، لأن الشخص قد يخضع لما لا يؤمن به مما يرتب عليه القيام بأعمال لا يؤمن بها حتى اذا كانت مؤدية إلى ما هو خطير، وذلك إما لأنه متلقيا سلبيا اعتاد استهلاك ما أنتجه الآخرون من أفكار وسلوكيات أم أنه "متماشيا مع التيار" لا يريد عناء التفكير والانتقاد والانتهاج والتجديد، وبذلك يصبح الفرد جزءا من كتلة متلاحمة صلبة تفكّر سويا ويوافق إحداها الآخرين على كل ما هو خير أو شرّ، على ما هو صحيح أو خطأ.
وهذه الحال نراها كثيرا بين الأصدقاء وفي العائلات والجمعيات والمؤسسات فتسمع حكما من أحد أفراد دائرة معينة ثم تسمعه من أفراد آخرين فيصبح للكتلة الواحدة رأيا وموقفا موحدا، وهذا أمر محمود إذا كان ذلك الحكم صائبا ناضجا حكيما ومرنا ، أما إن لم يكن قابلا للتعديل أو التصحيح مع تغير الظروف أو تجدد المعلومات، تصبح هذه الدائرة كتلة صلبة لا يخرقها الخير وإن خرقها فلا تأثير له، وهكذا تصبح دائرة محكمة الاغلاق يصعب ادخال ما هو جديد إليها أو مناف لمعتقداتها ومفاهيمها.
ومن الأمثلة الحياتية للتفكير الجماعي التي عاينتها حين كنت بين مجموعة تتألف من عدة أفراد وقد جاءنا خبر وفاة طفلة دهستها سيارة. أسف الجميع لموت الطفلة وعبّروا عن حزنهم وألمهم ودعوا أن يمنّ الله على أهلها بالصبر، لكن واحدة من بيننا ألقت باللائمة على أم الطفلة قائلة: "... وأين كانت أم البنت؟ وكيف ترسلها الى الطريق لوحدها؟" وافق الجميع على أن السبب في موت الطفلة هو اهمال أمها لها ليتبين لنا لاحقا أن الأب هو من أرسل الصغيرة لتشتري له علبة سجائر من الدكان.
والتفكير الجماعي قد يكون سببا لا في مجرد حكم خاطىء على فرد ما، بل يتجاوز ذلك ليدمر مؤسسة عامرة، بل وأمة بأكملها ذات حضارة تمتد في عمق التاريخ. ومثال على ذلك هلاك العراق ودماره، ففي تموز 2004 نشرت فوكس نيوز Fox News  تقريرا خلصت فيه الى أن الاستخبارات العالمية عانت من التفكير الجماعي الذي أدّى الى فرضية امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، هذه الفرضية حسب تصريح السناتور الأمريكي بات روبرتز امتدت الى حلفاء الأمريكان ودول أخرى وسببت ما كان في العراق.
ومن المهم الاشارة هنا الى أن الفرد الذي يبني خياراته على منطلقات منطقية وعقلانية بدلا من الانصياع وراء الأفكار المُنتجة الجاهزة، كثيرا ما يجد نفسه في عزلة عن الآخرين حتى يصبح هذا الفرد ضمن أقلية مستبعدة اجتماعيا، ويعود ذلك، من منظار كرونباك Cronbach  عالم النفس الأمريكي، إلى أن العاطفة، لا المنطق، غالبا هي الدافع للخيارات التي يأخذها الأفراد حتى وان كانت مبنية على مبادىء وقيم دينية أو اجتماعية أو أخلاقية. إضافة إلى ذلك أن السواد الأعظم من الناس هم أشخاص مطواعين لما يمُلى عليهم من قيم ومواقف وشعارات دون تردّد أو تساؤل. ولذلك فالشخص العقلاني لا يجد لنفسه مكانا في محيط العاطفة والطواعية هي الأساس لاتخاذ القرارات.

ومع ذلك على الفرد أن يتصرف بمسؤولية واحترام لذاته والآخرين فلا يكون متقبلا ساذجا ومتلقيا سلبيا لا تأثير له على ما يُطرح عليه ولا قدرة له لأن يغير بل أن يكون منفتحا ليقبل الطروحات فقد يكون فيها الخير والصواب لكنه بنفس الوقت يتوقع الخطأ ولذلك يزنها بناء لمعايير واضحة سواء كانت علمية أو أخلاقية أو دينية. وفي حال الخطأ، من واجبه الأخلاقي والقيمي أن يرفضها وأن يسعى للتغيير والتصويب والتعديل والاّ كان مساهما في إعادة انتاج الشر ونشره وتفشيه، بل ونموه في هذه الدنيا ليطال الآخرين كم لا بد من أنه سيطاله إما مباشرة أو من خلال أحبابه وأولاده وأحفاده.