Sunday, September 14, 2008

عمل المرأة وتعزيز فرص بناء الأسرة وتربية الأولاد

مقالة نشرت في مجلة "جنى" الشهرية 

تكثر الدعوات للمرأة الأم والزوجة بأن تلتزم بيتها لتربية أولادها والاهتمام بزوجها، معلِّلة تلك الدعوات بأن من شأنهها لا الحفاظ على الأسرة فحسب، بل على المجتمع ككل. ويرى الكثيرون أن تفرُّغ المرأة الكامل لبيتها وعائلتها له الدور الأول والأساس في صون الأسرة والحفاظ عليها وإبعادها عن مزالق الفساد والانحراف. ولكن قبل إطلاق الأحكام وتعميم مثل هذه الدعوات، ينبغي علينا أن نناقش ما إذا كان هناك إيجابيات لعمل المرأة خارج بيتها قد تعود عليها وعلى أسرتها والمجتمع.

أولاً: نشرت قناة الـ بي بي سي في العام الماضي نتيجة دراسة غربية أظهرت أن الأمهات الموظفات عندهن حرص كبير على تمضية أوقات فراغهن مع عائلاتهن بشكل منتج، هادف، يتَّسم بالتفاعل بين الأم والولد أكثر من اللواتي لا تعملن، أي إنَّ هذا الوقت الذي تقضيه الأم العاملة مع أولادها وإن كان أقل كمَّاً، إلا أنه وقت نوعيٌّ تحرص فيه الأم على التواصل مع أبنائها ومعرفة ميولهم وتنمية مهاراتهم وتنظيم مشاريع هادفة معهم من مثل زيارة أماكن تثقيفية من مكتبات ومعارض ونشاطات. وأكدت الدراسة أن أبناء الأمهات العاملات أكثر حبَّاً للقراءة والمطالعة والبرامج الثقافية، وأكثر تحصيلاً في الجانب الأكاديمي من أبناء الأمهات غير العاملات. .

ثانيا: أظهرت دراسة لمجلس الإنماء والإعمار في لبنان على أفراد الهيئة التعليمية أنَّ ارتقاء المعلمات في سلَّم التعليم يسمح لهنَّ بتحقيق حركية اجتماعية أعلى، ويتيح لهنَّ فرصة الارتباط بأزواج يساهمون في رفع السقف الاجتماعي لهنَّ، وتُستكمل هذه الحركية في قدرة العائلة- حسب الدراسة- على تأمين مستوى تعليمي متوسط أو عالٍ لأولادها، يسمح لهم بتجاوز مستوى الأهل الاجتماعي. وهذه الحركية الاجتماعية بطبيعة الحال لم تكن إلا نتيجة لعمل الأم، الذي ساهم بشكل مباشر في تعزيز الاهتمام بالعلم والتربية، الأمر الذي يترك أثره في سلوك الأولاد الأكاديمي، وكان السبب المباشر لارتباط الأم بأب من مستوى اجتماعي ساهم في تحقيق ما أشرنا إليه.

ثالثا: عمل المرأة عنصر هام في إحداث تغيير داخل العائلة، فعملها له ارتباط وثيق بالمستوى الثقافي والاجتماعي والدخل المادي للعائلة، وهي أمور لها انعكاساتها الإيجابية على الأسرة، لارتباطها بإيجاد الرأسمال الثقافي وتعزيز المواقف الإيجابية تجاه العلم والتربية في محيط الولد الأساسي، ألا وهو البيت. وهذا ما وصلت إليه دراسة أجرتها شرلي هيث في منطقة "كارولينا بيدمونت" في الولايات المتحدة الأمريكية حيث إنها –صاحبة الدراسة- وجدت خلال مراقبتها فترة تسع سنوات لأولاد في مناطق متباينة من عوائل ذات مستويات ثقافية، اجتماعية واقتصادية مختلفة، أنه كلما ارتفع مستوى العائلة الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، كان الرصيد اللغوي للأولاد أعلى، مما جعل فهمهم لما يقرؤون أدقّ وأكثر موضوعية، ولاحظت أن هؤلاء الأطفال أكثر قدرة على التمييز بين ما هو واقعي وما هو خيالي فيما يقرؤون من قصص.

هذا الرصيد اللغوي يحمله الأبناء معهم إلى المدرسة. وحسب الدراسة المشار إليها آنفاً، فإن هؤلاء الأولاد ذوو الرصيد اللغوي الأعلى كانوا أكثر قدرة على تلبية المتطلبات الدراسية والاندماج في البيئة المدرسية. وهذا من شأنه تأمين الدفع اللازم للتقدم الدراسي دون تعثر.

وأمر آخر لا يقلُّ أهمية عما سبق هو أن المرأة العاملة تصبح أكثر إدراكاً لحاجات المجتمع وخصوصياته وسلبياته، هذا المجتمع الذي ستضطر الأم أن ترسل ولدها إليه منذ سنواته الأولى من حياته، مما يجعلها أكثر قدرة على التنبؤ بما سيعترض ولدها من مخاطر خارج بيئته الصغرى – البيت- فتحاول تسليحه بالقيم والأفكار والسلوكيات التي سيحتاجها لمواجهة مشكلات المجتمع.

ثمَّ ماذا تعمل الأم التي سهرت ليالٍ طويلة لتحصيل شهادة علمية معينة؟ هل تنقطع عن مجال اختصاصها لتنظِّف وتطبخ وتستقبل وتودع؟ أمور لا عيب فيها، بل هي مطلوبة ومحبَّبة في حياة المرأة، لكن الاقتصار عليها قد يكون قاتلاً للمواهب، داعياً للكسل، مسبِّباً لتراجع فرص الأسرة بتلاشي ما حصَّلته المرأة من علم ومهارات. وهنا يأتي عمل المرأة لا ليعزِّز ما تعلمته المرأة في دراستها الأكاديمية فحسب، بل ليطوِّره وينمِّيه ويوظِّفه، لأن الشهادة الأكاديمية مجرد نقطة انطلاق لا أفق لها ما لم تتبع بالممارسة الحياتية، ولهذا كلِّه المردود الإيجابي على شخصية المرأة عبر مساعدتها في فهم نفسها وبناء ذاتها وإشعارها بالإنتاج والعطاء والتَّطور والنُّمو. أمور كلها لها انعكاساتها على عائلتها، فالأم ذات الاستقرار النفسي والمعنوي أكثر انسجاماً مع نفسها، ومحيطها وأكثر قدرة على التعامل معه.

والمرأة العاملة خارج بيتها تعطي نموذجاً، إلى جانب نموذج الأب، عن الالتزام بالمواعيد وتنظيم الوقت وإدارة البيت، وتكون مضطرة لتعليم أولادها الالتزام بمسؤولياتهم وإعطاء كلٍّ منهم دوراً وواجبات داخل المنزل، مما يجعل كلَّ فرد في الأسرة مسؤولاً عن عمل ما: الأب والأم، والابن والبنت- لا الأم فقط، ومن شأن هذا خلق خلق شعور قوي بمتعة التعاون والمشاركة، فالبيت مؤسسة تنجح وتزدهر بتعاون وتناغم أفرادها، وبهذا التعاون والتناغم يتحقق التوازن في مسيرة الأسرة وتتعزز فرص تنمية شخصيات الأولاد وبناء قدراتهم ومعارفهم ومهاراتهم، ويجيب عن السؤال الذي طالما تمَّ طرحه عن عمل المرأة وكيفية التوفيق بين مسؤلياتها خارج البيت وداخله.

11 comments:

Anonymous said...

السيدة امال تحية طيبة وبعد......
لقد تناولت الموضوع باحاطة من كافة جوانبه لا سيما المردود المعنوي على العائلة والاولاد ومدى التغير الذي يحصل عند الاولاد من ناحية السلوك.
أن الرؤية لهذا الموضوع لا شك وستتغير لان أولاد الامهات العاملات وخاصة الذكور سيكون لديهم رؤية اكثر موضوعية.
ولا شك بأن أي موضوع له جوانبه الإيجابية وجوانبه السلبية،ويبقى الامر متوقف على الرجل والمرأة معا في تكوين موقف واضح ولا يكفي أن يكون الرجل متفهما متفرجا بل يجب أن يكون متفهما مشاركا.
سامر سيف الدين

Janet Ayoub said...

This is a great article, Thank you for sharing your work with us.

Anonymous said...

لطالما كان هذا الموضوع - عمل المرأة - موضوعاً شائكاً مثيراً للجدل في المجتمعات المتباينة والمعتقدات والإيديولوجيات المختلفة، ما بين تفريط ألزم المرأة بالعمل إلى درجة الإذلال المادي، وإفراط حرمها هذا الحقَّ إلى درجة الإذلال المعنوي، وفي كلا الحالين كانت المرأة هي الضحية، وكان المجتمع هو الخاسر.

نعم.. المرأة كائن منتج ، له كرامته الإنسانية، ومن حقه، بل من واجبه المساهمة بناء الحياة وتطوير قيمها وأشكالها. والنظرة الموضوعية المتوازنة إلى طبيعة خلق المرأة البيولوجي والنفسي ينبغي أن تكون الأساس في فهم دورها في الحياة، وكم من أعمال تحسنها المرأة، لتناسبها مع طبيعتها، أكثر من الرجل، ومن أعمال يتقنها الرجل أكثر من المرأة لتناسبها مع طبيعته وتكوينه!

قرأت المقالة بإمعان، واحترمت التدليل للرأي بإحصاءات ودراسات، وأحصيت ما أشارت إليه المقالة من آثار إيجابية يعكسها عمل المرأة على بيتها وأولادها وبناء أسرتها ومجتمعها، ولكني في الوقت نفسه أرى أن المقالة انحازت انحيازاً بجافي الموضوعية وينافي العملية في المعالجة، فقد دخلت على الموضوع من زاوية واحدة، وأغفلت بشكل كامل الجوانب السلبية التي تترتب على عمل المرأة خارج بيتها، مما أفقد المقالة العلمية المطلوبة في معالجة موضوع شائك، والموضوعية التي لا بدَّ منها في كلِّ مقالة يبتغي كاتبها الوصول إلى النفع العام.

استمتعت بما قرأت، وأفدت منه، وأرجو أن تكون ملاحظتي قد أضاءت على هذا الموضوع الهام الذي يجب أن تحسم مجتمعاتنا ومثقفونا الرأي فيه.

Teaching and Learnign said...

الأستاذان الكريمان: أتفق معكما في أن لعمل المرأة سلبيات، ولكن من المهم جداً أن لا نتعامل مع هذه السلبيات على أنها أساس دور المرأة في الحياة، لأننا بذلك نلغي عنصرً مهماً له دوره الأساسي في بناء الحياة، وهةو دور لا يستطيع أن يقوم به الرجل لتنافيه مع قدراته وطبيعته وتكوينه.

Thank you Janet for your comment.You have always been a great encourger for me.

Anonymous said...

I really the topic that you wrote about women because it is very interesting,& thanx cuz you are talking about a very important thing in our society & life.
& i will tell u that 2no nshala bade sajl English be elbnanye

Teaching and Learnign said...

Best of wishes to Shireen in your university studies. I think you have the will and determination to excel in your life so make sure do use your potential to its extreme.
See you around

Anonymous said...

I really enjoyed reading this entry, Amal! You highlight very important points. From a more pragmatic perspective, I think it’s unfortunate that our Arabic culture still does not fully appreciate the many benefits (which outweigh the disadvantages by far) that working women bring to every aspect of society. Sadly, the notion that women “are better off spending most of their time at home” has lead to a sense of reluctance in some men to support their spouses in pursuing and advancing in their careers.

Teaching and Learnign said...

I can see that there is a change in the masculine perspective toward women's work and there are good examples of supportive husbands, fathers and brothers who really try to push the women in their lives to attain the most of their potential, but still the opposite side continuim has plenty of examples where male chauvenism needs to be eradicated by education and enlightment to achieve a kind of life where each in the family is able to fulfill his potential on one hand and to be supportive to the rest of the family on the other hand.

Zainab's Writings said...

I really liked this article, you mention important points. This topic is really interesting

Maysaa Jasstan said...

It is a great article

Huda Abou Nouh said...

استمتعت بقراءة هذا المقال الذي يطرح قضية عمل المرأة، وتوفيقها بين دورها كامرأة عاملة ودرها كزوجة وأم. ولطالما كانت هذه القضية محط نقاش وخلاف خاصةً في مجتمعنا العربي.
ومن المهم إلقاء الضوء على القضايا التي تواجها المرأة في مجتمعنا، لا بل بإيجاد دليل قاطع على ضرورة عملها ودورها الأساسي والفعّال سواء في المنزل أو في المجتمع.