من خلال تجربتي في تعليم اللغة وجدت أنّ هناك
نمطاً واضحاً يتكرّر سنةً بعد سنة في أحد صفوفي، حيث يعتمد كتاب المركز التّربوي
للبحوث والإنماء نصوصاً غائيّة غير أدبية، أي نصوصاً مأخوذةً من الحقول العلميّة
المتعدّدة كالجغرافيا والاجتماع والإدارة والطّب. ففي السّنوات الخمس الأخيرة
أدرجت ضمن الخطّة السّنويّة لهذا الصّفّ قصّة قصيرة غير موجودة في الكتاب. وفي
كلِّ عام أجد أنّ لهذا التعديل بالبرنامج تأثيراً واضحاً على سلوك الطّلاب، فكلّهم
مهتمّ بالقصّة وأحداثها وشخصيّاتـها وتنبؤ نـهايتها. حتّى التّلميذ الّذي يصف نفسه
بأنّه غير قادر على التّحصيل الجيّد في اللّغة الأجنبيّة يبدي جدّيةً واضحة أثناء
قراءة القصّة. وتتحوّل شخصيّة الصّفّ ككلّ إلى مجموعة ناضجة قادرة على الحوار
والنّقاش والإصغاء إلى بعضها البعض.
وخلال المراحل المتعدّدة لتعليم القصة، ألاحظ
تناغماً وإيقاعاً بين أفراد الصّفّ مهما كان عددهم. وهنا أتساءل: "هل كان من
الخطأ إلغاء االأدب من منهج اللّغة الإنكليزية حين تمّ التّغيير التّربوي الشّامل
في لبنان عام 1998؟" هل حرم طلابنا من عنصر التّشويق نتيجة هذا التّغيير،
فأصبح تعلّم اللغة مجرّد تعليم معارف بدلا من الخوض في التجارب الانسانية اللامنتهية
والاطلاع على الابداعات الأدبية؟
نعم فالأدب الجيّد يرتقي بالتّفكير والمشاعر،
والأدب بوّابة كبيرة للدّخول إلى عوالم أخرى وثقافات وحضارات لا عديد لها، وأزمنة
بعيدة في عمق التّاريخ، وأنماطٍ من التّفكير لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال
قراءة نصوص أدبية. هذه التجربة الانسانية الشاملة ربما كانت هي سبب شده الطلاب،
على خلاف النص الغائي، وبالتالي احداث تغيير ملحوظ في سلوكهم: سلوك يتسم بالنضج
والمسؤولية، ولذلك على صانعي المناهج أن يختاروا ما يتناسب مع كل فئة عمرية من حيث
الاهتمامات والتركيبة النفسية والمحيط الاجتماعي.
ونحن لسنا بحاجة لأن ننافس العالم الآلي
والتّقني بمناهجنا والكتاب المدرسي، بل يمكننا أن نستخدم عناصر هذا العالم الجديد
من مواقع إنترنت ومدوّنات إلكترونية وبرامج كمبيوتر لخدمة تعليمنا للنّص الأدبي-
من أيّ عصرٍ أتى- فالقصّة أو الرواية يمكن أن يتبعها مشاهدة الفيلم الذي صنع على
أساسها، ويمكن – انطلاقا من القصّة- أن يكتب التلاميذ سيناريوهات قصص لتمثيلها
واخراجها مستخدمين البرامج التي يحسنون استخدامها. لكن يبقى النّصّ مفقوداً من
حياة الطّالب ما لم يتدخّل التّربويّون؛ من واضعي المناهج وأساتذة بإدراجه في
المناهج التّربويّة، وما لم يدخله الأهل إلى بيوتهم وغرف أطفالهم بوفرة وبما
يتناسب مع أعمارهم واهتماماتهم.